فصل: ثم دخلت سنة تسع وعشرين وثلاثمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر استيلاء بجكم على بغداد

وفي هذه السنة دخل بجكم بغداد ولقي الراضي وقلد إمرة الأمراء مكان ابن رائق ونحن نذكر ابتداء أمر بجكم وكيف بلغ إلى هذه الحال فإن بعض أمره قد تقدم وإذا افترق لم يحصل الغرض منه‏.‏

كان بجكم هذا من غلمان أبي علي العارض وكان وزيرًا لما كان بن كالي الديلمي فطلبه منه ما كان فوهبه له ثم إنه فارق ما كان مع من فارقه من أصحابه والتحق بمرداويج وكان في جملة من قتله وسار إلى العراق واتصل بابن رائق وسيره إلى الأهواز فاستولى عليها وطرد البريدي عنها‏.‏

ثم خرج البريدي مع معز الدولة بن بويه من فارس إلى الأهواز فأخذوها من بجكم وانتقل بجكم من الأهواز إلى واسط وقد تقدم ذكر ذلك مفصلًا فلما استقر بواسط تعلقت همته بالاستيلاء على حضرة الخليفة وهو مع ذلك يظهر التبعية لابن رائق وكان على أعلامه وتراسه بجكم الرائقي فلما وصلته كتب ابن مقلة يعرفه أنه قد استقر مع الراضي أن يقلده إمرة الأمراء طمع في ذلك وكاشف ابن رائق ومحا نسبته إليه من أعلامه وسار من واسط نحو بغداد غرة ذي القعدة‏.‏

واستعد ابن رائق له وسأل الراضي أن يكتب إلى بجكم يأمره بالعود إلى واسط فكتب الراضي إليه وسير الكتاب فلما قرأه ألقاه عن يده ورمى به وسار حتى نزل شرقي نهر ديالي وكان أصحاب ابن رائق على غربيه فألقى أصحاب بجكم نفوسهم في الماء فانهزم أصحاب ابن رائق وعبر أصحاب بجكم وساروا إلى بغداد وخرج ابن رائق عنها إلى عكبرا ودخل بجكم بغداد ثالث عشر ذي القعدة ولقي الراضي من الغد وخلع عليه وجعله أمير الأمراء وكتب كتبًا عن الراضي إلى القواد الذين مع ابن رائق يأمرهم بالرجوع إلى بغداد ففارقوه جميعهم وعادوا‏.‏

فلما رأى ابن رائق ذلك عاد إلى بغداد واستتر ونزل بجكم بدار مؤنس واستقر أمره ببغداد فكانت مدة إمارة أبي بكر بن رائق سنة واحدة وعشرة أشهر وستة عشر يومًا ومن مكر بجكم أنه كان يراسل ابن رائق على لسان أبي زكرياء يحيى بن سعيد السوسي قال أبو زكرياء‏:‏

أشرت على بجكم أنه لا يكاشف ابن رائق فقال‏:‏ لم أشرت بهذا فقلت له‏:‏ أنه قد كان له عليك رئاسة وإمرة وهو أقوى منك وأكثر عددًا والخليفة معه والمال عنده كثير فقال‏:‏ أما كثرة رجاله فهم جوز فارغ وقد بلوتهم فما أبالي بهم قلوا أم كثروا وأما كون الخليفة معه فهذا لا يضرني عند أصحابي وأما قلة المال معي فليس الأمر كذلك وقد وفيت أصحابي مستحقهم ومعي ما يستظهر به فكم تظن مبلغه فقلت‏:‏ لا أدري‏!‏ فقال‏:‏ على كل حال فقلت‏:‏ مائة ألف درهم فقال‏:‏ غفر الله لك معي خمسون ألف دينار لا أحتاج إليها‏.‏

فلما استولى على بغداد قال لي يومًا‏:‏ أتذكر إذ قلت لك‏:‏ معي خمسون ألف دينار والله لم يكن معي غير خمسة آلاف درهم فقلت‏:‏ هذا يدلّ على قلة ثقتك بي قال‏:‏ لا ولكنك كنت رسولي إلى ابن رائق فإذا علمت قلة المال معي ضعفت نفسك فطمع العدو فينا فأردت أن تمضي إليه بقلب قوي فتكلمه بما تخلع به قلبه وتضعف نفسه‏.‏

قال‏:‏ فعجبت من مكره وعقله‏.‏

  ذكر استيلاء لشكري على أذربيجان وقتله

وفيها تغلب لشكري بن مردى على أذربيجان ولشكري هذا أعظم من الذي تقدم ذكره فإن هذا كان خليفة وشمكير على أعمال الجبل فجمع مالًا ورجالًا وسار إلى أذربيجان وبها يومئذ ديسم بن إبراهيم الكردي وهو من أصحاب ابن أبي الساج فجمع عسكرًا وتحارب هو ولشكري فانهزم ديسم ثم عاد وجمع وتصافا مرة ثانية فانهزم أيضًا واستولى لشكري على بلاده إلا أردبيل فإن أهلها امتنعوا بها لحصانتها ولهم بأس ونجدة وهي دار المملكة بأذربيجان فراسلهم لشكري ووعدهم الإحسان لما كان يبلغهم من سوء سيرة الديلم مع بلاد الجبل همذان وغيرها فحصرهم وطال الحصار ثم صعد أصحابه السور ونقبوه أيضًا في عدة مواضع ودخلوا البلد‏.‏

وكان لشكري يدخله نهارًا ويخرج منه ليلًا إلى عسكره فبادر أهل البلد وأصلحوا ثلم السور وأظهروا العصيان وعاودوا الحرب فندم على التفريط وإضاعة الحزم فأرسل أهل أردبيل إلى ديسم يعرفونه الحال ويواعدونه يومًا يجيء فيه ليخرجوا فيه إلى قتال لشكري ويأتي هو من ورائه ففعل وسار نحوهم وظهروا يوم الموعد في عدد كثير وقاتلوا لشكري وأتاه ديسم من خلف ظهره فانهزم أقبح هزيمة وقتل من أصحابه خلق كثير وانحاز إلى موقان فأكرمه أصبهبذها ويعرف بابن دولة وأحسن ضيافته‏.‏

وجمع لشكري وسار نحو ديسم وساعده ابن دولة فهرب ديسم وعبر نهر أرس وعبر بعض أصحاب لشكري إليه فانهزم ديسم وقصد وشمكير وهو بالري وخوفه من لشكري وبذل له مالًا كل سنة ليسير معه عسكرًا فأجابه إلى ذلك وسير معه عسكرًا وكاتب عسكر لكشري وشمكير يعلمونه بما هم عليه من طاعته وأنهم متى رأوا عسكره صاروا معه على لشكري فظفر لشكري بالكتب فكتم ذلك عنهم فلما قرب منه عسكر وشمكير جمع أصحابه وأعلمهم ذلك وأنه لا يقوى بهم وأنه يسير بهم نحو الزوزان وينهب من على طريقه من الأرمن ويسير نحو الموصل ويستولي عليها وعلى غيرها فأجابوه إلى ذلك فسار بهم إلى أرمينية وأهلها غافلون فنهب وغنم وسبى وانتهى إلى الزوزان ومعهم الغنائم فنزل بولاية إنسان أرمني وبذل له مالًا ليكف عنه وعن بلاده فأجابه إلى ذلك‏.‏

ثم إن الأرمني كمن كمينًا في مضيق هناك وأمر بعض الأرمن أن ينهب شيئًا من أموال لشكري ويسلك ذلك المضيق ففعلوا وبلغ إلى لشكري فركب في خمسة أنفس فسار وراءهم فخرج عليه الكمين فقتلوه ومن معه ولحقه عسكره فرأوه قتيلًا ومن معه فعادوا وولوا عليهم ابنه لشكرستان واتفقوا على أن يسيروا على عقبة التنين وهي تجاوز الجودي ويحرزوا سوادهم ويرجعوا إلى بلد الأمني فيدركوا آثارهم فبلغ ذلك طرم فرتب الرجال على تلك المضايق يرمونهم بالحجارة ويمنعونهم العبور فقتلوا منهم خلقًا كثيرًا وسلم القليل منهم وفيمن سلم لشكرستان وسار فيمن معه إلى ناصر الدولة بن حمدان بالموصل فأقام بعضهم عنده وانحدر بعضهم إلى فأما الذين أقاموا بالموصل فسيرهم مع ابن عم أبي عبدالله الحسين بن سعيد بن حمدان إلى ما بيده من أذربيجان لما أقبل نحوه ديسم ليستولي عليه وكان أبو عبدالله من قبل ابن عمه ناصر الدولة على معاون أذربيجان فقصده ديسم وقاتله فلم يكن لابن حمدان به طاقة ففارق أذربيجان واستولى عليها ديسم‏.‏

  ذكر اختلال أمور القرامطة

في هذه السنة فسد حال القرامطة وقتل بعضهم بعضًا‏.‏

وسبب ذلك أنه كان رجل منهم يقال له ابن سنبر وهو من خواص أبي سعيد القرمطي والمطلعين على سره وكان له عدو من القرامطة اسمه أبو حفص الشريك فعمد ابن سنبر إلى رجل من أصبهان وقال له‏:‏ إذا ملكتك أمر القرامطة أريد منك أن تقتل عدوي أبا حفص فأجابه إلى ذلك وعاهده عليه فأطلعه على أسرار أبي سعيد وعلامات كان يذكر أنها في صاحبهم الذي يدعون إليه فحضر عند أولاد أبي سعيد وذكر لهم ذلك فقال أبو طاهر‏:‏ هذا هو الذي يدعون إليه فحضر عند أولاد أبي سعيد وذكر لهم ذلك فقال أبو طاهر‏:‏ هذا هو الذي يدعو إليه فأطاعوه ودانوا له حتى كان يأمر الرجل بقتل أخيه فيقتله وكان إذا كره وبلغ أبا طاهر أن الأصبهاني يريد قتله ليتفرد بالملك فقال لإخوته‏:‏ لقد أخطأنا في هذا الرجل وسأكتشف حاله فقال له‏:‏ إن لنا مريضًا فانظر إليه ليبرأ فحضروا وأضجعوا والدته وغطوها بإزار فلما رآها قال‏:‏ أن هذا المريض لا يبرأ فاقتلوه‏!‏ فقالوا له‏:‏ كذبت هذه والدته ثم قتلوه بعد أن قتل منهم خلق كثير من عظمائهم وشجعانهم‏.‏

وكان هذا سبب تمسكهم بهجر وترك قصد البلاد والإفساد فيها‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة كان الفداء بين المسلمين والروم في ذي القعدة وكان القيم به ابن ورقاء الشيباني وكان عدة من فودي من المسلمين ستة آلاف وثلاثمائة من بين ذكر وأنثى وكان الفداء على نهر البدندون‏.‏

وفيها ولد الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وعشرين وثلاثمائة

  ذكر مسير الراضي وبجكم إلى الموصل

في هذه السنة في المحرم سار الراضي بالله وبجكم إلى الموصل وديار ربيعة‏.‏

وسبب ذلك أن ناصر الدولة بن حمدان أخر المال الذي عليه من ضمان البلاد التي بيده فاغتاظ الراضي منه لسبب ذلك فسار هو وبجكم إلى الموصل ومعهما قاضي القضاة أبو الحسين عمر بن محمد فلما بلغوا تكريت أقام الراضي بها وسار بجكم فلقيه ناصر الدولة بالكحيل على ستة فراسخ من الموصل فاقتتلوا واشتد القتال فانهزم أصحاب ناصر الدولة وساروا إلى نصيبين وتبعهم بجكم ولم ينزل بالموصل‏.‏

فلما بلغ نصيبين سار ابن حمدان إلى آمد وكتب بجكم إلى الراضي بالفتح فسار من تكريت في الماء يريد الموصل وكان مع الراضي جماعة من القرامطة فانصرفوا عنه إلى بغداد قبل وصول كتاب بجكم وكان ابن رائق يكاتبهم فلما بلغوا بغداد ظهر ابن رائق من استتاره واستولى على بغداد ولم يعرض لدار الخليفة‏.‏

وبلغ الخبر إلى الراضي فأصعد من الماء إلى البر سار إلى الموصل وكتب إلى بجكم بذلك فعاد عن نصيبين فلما بلغ خبر عوده إلى ناصر الدولة سار من آمد إلى نصيبين فاستولى عليها وعلى ديار ربيعة فقلق بجكم لذلك وتسلل أصحابه إلى بغداد فاحتاج أن يحفظ أصحابه وقال‏:‏ قد حصل الخليفة وأمير الأمراء على قصبة الموصل حسب‏.‏

وأنفذ ابن حمدان قبل أن يتصل به خبر ابن رائق يطلب الصلح ويعجل خمسمائة ألف درهم ففرح بجكم بذلك وأنهاه إلى الراضي فأجاب إليه واستقر الصلح بينهم وانحدر الراضي وبجكم إلى بغداد‏.‏

وكان قد راسلهم ابن رائق مع أبي جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد يلتمس الصلح فسار إليهم إلى الموصل وأدى الرسالة إلى بجكم فأكرمه بجكم وأنزله معه وأحسن إليه وقدمه إلى الراضي فأبلغه الرسالة أيضًا فأجابه الراضي وبجكم إلى ما طلب وأرسل في جواب رسالته قاضي القضاة أبا الحسين عمر بن محمد وقلده طريق الفرات وديار مضر‏:‏ حران والرها وما جاورها وجند قنسرين والعواصم فأجاب ابن رائق أيضًا إلى هذه القاعدة وسار عن بغداد إلى ولايته ودخل الراضي وبجكم بغداد تاسع ربيع الآخر‏.‏

  ذكر وزارة البريدي للخليفة

في هذه السنة مات الوزير أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات بالرملة وقد ذكرنا سبب مسيره إلى الشام فكانت وزارته سنة وثمانية أشهر وخمسة وعشرين يومًا ولما سار إلى الشام استناب بالحضرة عبد الله بن علي النقري‏.‏

وكان بجكم قد قبض على وزيره علي بن خلف بن طباب فاستوزر أبا جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد فسعى أبو جعفر في الصلح بين بجكم والبريدي فتم ذلك ثم ضمن البريدي أعمال واسط بستمائة ألف دينار كل سنة ثم شرع ابن شيرزاد أيضًا بعد موت أبي الفتح الوزير بالرملة في تقليد أبي عبدالله البريدي الوزارة فأرسل إليه الراضي في ذلك فأجاب إليه في رجب واستناب بالحضرة عبدالله بن علي النقري أيضًا كما كان يخلف أبا الفتح‏.‏

  ذكر مخالفة بالبا على الخليفة

كان بجكم قد استناب بعض قواد الأتراك ويعرف ببالبا على الأنبار فكاتبه يطلب أن يقلد أعمال طريق الفرات بأسرها ليكون في وجه ابن رائق وهو بالشام فقلده بجكم ذلك فسار إلى الرحبة وكاتب ابن رائق وخالف على بجكم والراضي وأقام الدعوة لابن رائق وعظم أمره‏.‏

فبلغ الخبر إلى بجكم فسير طائفة من عسكره وأمرهم بالجد وأن يطووا المنازل ويسبقوا خبرهم ويكبسوا بالرحبة ففعلوا ذلك فوصلوا إلى الرحبة في خمسة أيام ودخلوها على حين غفلة من بالبا وهو يأكل الطعام فلما بلغه الخبر اختفى عند إنسان حائك ثم ظفروا به فأخذوه وأدخلوه بغداد على جمل ثم حبس فكان آخر العهد به‏.‏

  ذكر ولاية أبي علي بن محتاج خراسان

في هذه السنة استعمل الأمير السعيد نصر بن أحمد على خراسان وجيوشها أبا علي أحمد بن أبي بكر محمد بن المظفر بن محتاج وعزل أباه واستقدمه إلى بخارى‏.‏

وسبب ذلك أن أبا بكر مرض مرضًا شديدًا طال به فأنفذ السعيد فأحضر ابنه أبا علي من الصغانيان واستعمله مكان أبيه وسيره إلى نيسابور وكتب إلى أبيه يستدعيه إليه فسار عن نيسابور فلقيه ولده على ثلاث مراحل من نيسابور فعرفه ما يحتاج إلى معرفته وسار أبو بكر إلى بخارى مريضًا ودخل ولده أبو علي نيسابور أميرًا في شهر رمضان من هذه السنة‏.‏

وكان أبو علي عاقلًا شجاعًا حازمًا فأقام بها ثلاثة أشهر يستعد للمسير إلى جرجان وطبرستان وسنذكر ذلك سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة‏.‏

  ذكر غلبة وشمكير على أصبهان وألموت

وفيها أرسل وشمكير بن زيار أخو مرداويج جيشًا كثيفًا من الري إلى أصبهان وبها أبو علي الحسن بن بويه وهو ركن الدولة فأزالوه عنها واستولوا عليها وخطبوا فيها لوشمكير ثم سار ركن الدولة إلى بلاد فارس فنزل بظاهر إصطخر وسار وشمكير إلى قلعة ألموت فملكها وعاد عنها وسيرد من أخبارهما سنة ثمان وعشرين ما تقف عليه‏.‏

و في هذه السنة عصى أمية بن إسحاق بمدينة شنترين على عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس‏.‏

وسبب ذلك أنه كان له أخ اسمه أحمد وكان وزيرًا لعبد الرحمن فقتله عبد الرحمن وكان أمية بشنترين فلما بلغه ذلك عصى فيها والتجأ إلى ردمير ملك الجلالقة ودله على عورات المسلمين ثم خرج أمية في بعض الأيام يتصيد فمنعه أصحابه من دخول البلد فسار إلى ردمير فاستوزره‏.‏

وغزا عبد الرحمن بلاد الجلالقة فالتقى هو وردمير هذه السنة فانهزمت الجلالقة وقتل منهم خلق كثير وحصرهم عبد الرحمن‏.‏

ثم إن الجلالقة خرجوا عليه وظفروا به وبالمسلمين وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأراد اتباعهم فمنعه أمية وخوفه المسلمين ورغبه في الخزائن والغنيمة‏.‏

وعاد عبد الرحمن بعد هذه الوقعة فجهز الجيوش إلى بلاد الجلالقة فألحوا عليهم بالغارات وقتلوا منهم أضعاف ما قتلوا من المسلمين ثم إن أمية استأمن إلى عبد الرحمن فأكرمه‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها مات عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي صاحب الجرح والتعديل وعثمان بن الخطاب بن عبدالله أبو الدنيا المعروف بالأشج الذي يقال إنه لقي علي بن أبي طالب عليه السلام وقيل إنهم كانوا يسمونه ويكنونه أبا الحسن آخر أيامه وله صحيفة تروى عنه ولا تصح وقد رواها كثير من المحدثين مع علم منهم بضعفها‏.‏

وفيها توفي محمد بن جعفر بن محمد بن سهل أبو بكر الخرائطي صاحب تصانيف المشهورة كاعتلال القلوب وغيره بمدينة يافا‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة

  ذكر استيلاء أبي علي على جرجان

في هذه السنة في المحرم سار أبو علي بن محتاج في جيش خراسان من نيسابور إلى جرجان وكان بجرجان ما كان بن كالي قد خلع طاعة الأمير نصر بن أحمد فوجدهم أبو علي قد غوروا المياه فعدل عن الطريق إلى غيره فلم يشعروا به حتى نزل على فرسخ من جرجان فحصر ما كان بها وضيق عليه وقطع الميرة عن البلد فاستأمن إليه كثير من أصحاب ما كان وضاق الحال بمن بقي بجرجان حتى صار الرجل يقتصر كل يوم على حفنة سمسم أو كيلة من كسب

واستمد ما كان من وشمكير وهو بالري فأمده بقائد من قواده يقال له شيرح بن النعمان فلما وصل إلى جرجان ورأى الحال شرع في الصلح بين أبي علي وبين ما كان بن كالي ليجعل له طريقًا ينجو فيه ففعل أبو علي ذلك وهرب ما كان إلى طبرستان واستولى أبو علي على جرجان في أواخر سنة ثمان وعشرين واستخلف عليها إبراهيم بن سيمجور الدواتي بعد أن أصلح حالها وأقام بها إلى المحرم سنة تسع وعشرين وثلاثمائة فسار إلى الري على ما نذكره‏.‏

  ذكر مسير ركن الدولة إلى واسط

في هذه السنة سار ركن الدولة أبو علي الحسن بن بويه إلى واسط‏.‏

وكان سبب ذلك أن أبا عبدالله البريدي أنفذ جيشًا إلى السوس وقتل قائدًا من الديلم فتحصن أبو جعفر الصيمري بقلعة السوس وكان على خراجها‏.‏

وكان معز الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه بالأهواز فخاف أن يسير إليه البريدي من البصرة فكتب إلى أخيه ركن الدولة وهو بباب إصطخر قد عاد من أصبهان على ما ذكرناه فلما أتاه كتاب أخيه سار إليه مجدًا يطوي المنازل حتى وصل إلى السوسن ثم سار إلى واسط ليستولي عليها إذ كان قد خرج عن أصبهان وليس له ملك ليستقل به فنزل بالجانب الشرقي وكان

ثم سار الراضي وبجكم من بغداد نحو واسط لحربه فخاف أن يكثر الجمع عليه ويستأمن رجاله فيهلك لأنه كان له سنة لم ينفق فيهم مالًا فعاد من واسط إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز‏.‏

  ذكر ملك ركن الدولة أصبهان

وفيها عاد ركن الدولة فاستولى على أصبهان سار من رامهرمز فاستولى عليها وأخرج عنها أصحاب وشمكير وقتل منهم واستأسر بضعة عشر قائدًا‏.‏

وكان سبب ذلك أن وشمكير كان قد أنفذ عسكره إلى ما كان نجدةً له على ما ذكرناه فخلت بلاد وشمكير من العساكر وسار ركن الدولة إلى أصبهان وبها نفر يسير من العساكر فهزمهم واستولى عليها وكاتب هو وأخوه عماد الدولة أبا علي بن محتاج يحرضانه على ما كان ووشمكير ويعدانه المساعدة عليهما فصار بينهم بذلك مودة‏.‏

  ذكر مسير بجكم نحو بلاد الجبل

في هذه السنة سار بجكم من بغداد نحو بلاد الجبل ثم عاد عنها‏.‏

وكان سبب ذلك أنه صالح هذه السنة أبا عبدالله البريدي وصاهره وتزوج ابنته فأرسل إليه البريدي يشير عليه بأن يسير إلى بلاد الجبل لفتحها والاستيلاء عليها ويعرفه أنه إذا سار إلى الجبل سار هو إلى الأهواز واستنقذها من يد ابن بويه فاتفقا على ذلك وأنفذ إليه بجكم خمسمائة رجل من أصحابه معونة له وأنفذ إليه صاحبه أبا زكرياء السوسي يحثه على الحركة ويكون عنده إلى أن يرحل عن واسط إلى الأهواز‏.‏

وسار بجكم إلى حلوان وصار أبو زكرياء السوسي يحث ابن البريدي على المسير إلى السوس والأهواز وهو يدافع الأوقات وكان عازمًا على قصد بغداد إذ أبعد عنها بجكم ليستولي عليها وهو يقدم رجلًا ويؤخر أخرى وينتظر به الدوائر من هزيمة أو قتل‏.‏

وأقام أبو زكرياء عنده نحو شهر يحثه على المسير وهو يغالطه فعلم أبو زكرياء مقصوده فكتب إلى بجكم بذلك فلحقه الخبر وهو سائر فركب الجمازات وعاد إلى بغداد وخلف عسكره وراءه‏.‏

ووصل الخبر إلى البريدي بدخول بجكم إلى بغداد فسقط في يده ثم أتته الأخبار بأن بجكم قد سار نحوه‏.‏

  ذكر استيلاء بجكم على واسط

لما عاد بجكم إلى بغداد تجهز للانحدار إلى واسط وحفظ الطرق لئلا يصل خبره إلى البريدي فيتحرز وانحدر هو في الماء في العشرين من ذي القعدة وسير عسكره في البر وأسقط اسم البريدي من الوزارة وجعل مكانه أبا القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد وكانت وزارة البريدي سنة واحدة وأربعة أشهر وأربعة عشر يومًا وقبض على ابن شيرزاد لأنه هو كان سبب وصلته بالبريدي وأخذ منه مائة وخمسين ألف دينار‏.‏

فمن عجيب الاتفاق أن بجكم كان له كاتب على أمر داره وحاشيته وهو معه في السفينة عند انحداره إلى واسط فجاء طائر فسقط على صدر السفينة فأخذ وأحضر عند بجكم فوجد على ذنبه كتابًا ففتحه وإذا هو من هذا الكاتب إلى أخ له مع البريدي يخبره بخبر بجكم وما هو عازم عليه فألقي الكتاب إليه فاعترف به إذ لم يمكنه جحده لأنه بخطه فأمر بقتله فقتل وألقاه في الماء‏.‏

ولما بلغ خبر بجكم إلى البريدي سار عن واسط إلى البصرة ولم يقم بها فلما وصل إليها بجكم لم يجد بها أحدًا فاستولى عليها وكان بجكم قد خلف عسكرًا ببلد الجبل فقصدهم الديلم والجيل فانهزموا وعادوا إلى بغداد‏.‏

  ذكر استيلاء ابن رائق على الشام

في هذه السنة استولى ابن رائق على الشام وقد ذكرنا مسيره فيما تقدم فلما دخل الشام قصد مدينة حمص فملكها ثم سار منها إلى دمشق وبها بدر بن عبدالله الإخشيدي المعروف ببدير واليًا عليها للإخشيد فأخرجه ابن رائق منها وملكها وسار منها إلى الرملة فملكها‏.‏

وسار إلى عريش مصر يريد الديار المصرية فلقيه الإخشيد محمد بن طغج وحاربه فانهزم الإخشيد فاشتغل أصحاب ابن رائق بالنهب ونزلوا في خيم أصحاب الإخشيد فخرج عليهم كمين للإخشيد فأوقع بهم وهزمهم وفرقهم ونجا ابن رائق في سبعين رجلًا ووصل إلى دمشق على أقبح صورة‏.‏

فسير إليه الإخشيد أخاه أبا نصر بن طغج في جيش كثيف فلما سمع بهم ابن رائق سار إليهم من دمشق فالتقوا باللجون رابع ذي الحجة فانهزم عسكر أبي نصر وقتل هو فأخذه ابن رائق وكفنه وحمله إلى أخيه الإخشيد وهو بمصر وأنفذ معه ابنه مزاحم بن محمد ابن رائق وكتب إلى الإخشيد كتابًا يعزيه عن أخيه ويعتذر مما جرى ويحلف أنه ما أراد قتله وأنه قد أنفذ ابنه ليفديه به إن أحب ذلك فتلقى الإخشيد مزاحمًا بالجميل وخلع عليه ورده إلى أبيه واصطلحا على أن تكون الرملة وما وراءها إلى مصر للإخشيد وباقي الشام لمحمد بن رائق ويحمل إليه الإخشيد عن الرملة كل سنة مائة ألف وأربعين ألف دينار‏.‏

في هذه السنة قتل طريف السبكري‏.‏

وفيها عزل بجكم وزيره أبا جعفر بن شيرزاد لما ذكرناه وصادره على مائة وخمسين ألف دينار واستوزر بعده أبا عبدالله الكوفي‏.‏

وفيها توفي محمد بن يعقوب وقتل محمد بن علي أبو جعفر الكليني وهو من أئمة الإمامية وعلمائهم‏.‏

الكليني بالياء المعجمة باثنتين من تحت ثم بالنون وهو ممال‏.‏

وفيها توفي أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب المقرئ البغدادي المعروف بابن شنبوذ في صفر‏.‏

وفيها توفي أبو محمد جعفر المرتعش وهو من أعيان مشايخ الصوفية وهو نيسابوري سكن بغداد وقاضي القضاة عمر بن أبي عمر محمد بن يوسف وكان قد ولي القضاء بعد أبيه‏.‏

وفيها توفي أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن محمد بن بشار المعروف بابن الأنباري وهو مصنف كتاب الوقف والابتداء‏.‏

وفيها في حادي عشر شوال مات الوزير أبو علي بن مقلة في الحبس‏.‏

وفيها لليلتين بقيتا من شوال توفي الوزير أبو العباس الخصيبي بسكتة لحقته بينه وبين ابن مقلة سبعة عشر يومًا‏.‏

وفيها مات أبو عبدالله القمي وزير ركن الدولة بن بويه فاستوزر بعده أبا الفضل بن العميد فتمكن منه فنال ما لم ينله أحد من وزراء بني بويه وسيرد من أخباره ما يعلم به محله‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وعشرين وثلاثمائة

  ذكر موت الراضي بالله

في هذه السنة مات الراضي بالله أبو العباس أحمد بن المقتدر منتصف ربيع الأول وكانت خلافته ست سنين وعشرين أشهر وعشرة أيام وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة وشهورًا وكانت علته الاستسقاء وكان أديبًا شاعرًا فمن شعره‏:‏ يصفرّ وجهي إذا تأمّله طرفي ويحمرّ وجهه خجلا حتّى كأنّ الذي بوجنته من دم جسمي إليه قد نقلا وله أيضًا يرثي أباه المقتدر‏:‏ ولو أنّ حيًّا كان قبرًا لميّتٍ لصيّرت أحشائي لأعظمه قبرا ولو أنّ عمري كان طوع مشيئتي وساعدني التقدير قاسمته العمرا بنفس ثرىً ضاجعت في تربه البلى لقد ضمّ منك الغيث والليث والبدرا كلّ صفوٍ إلى كدر كلّ أمنٍ إلى حذر ومصير الشباب لل موت فيه أو الكبر درّ درّ المشيب من واعظ ينذر البشر أيّها الآمل الذي تاه في لجّة الغرر أين من كان قبلها درس العين والأثر سيردّ المعاد من عمره كلّه خطر ربّ إنّي ذخرت عن دك أرجوك مدّخر إنّني مؤمن بما بيّ ن الوحي في السّور واعترافي بترك نف عي وإيثاري الضّرر ربّ فاغفر لي الخطي ئة يا خير من غفر وكان الراضي أيضًا سمحًا يحبّ محادثة الأدباء والفضلاء والجلوس معهم‏.‏

ولّما مات أحضر بجكم ندماءه وجلساءه وطمع أن ينتفع بهم فلم يفهم منهم ما ينتفع به وكان منهم سنان بن ثابت الصابي الطبيب فأحضره وشكا إليه غلبة القوة الغضبية عليه وهو كاره وكان الراضي أسمر أعين خفيف العارضين وأمه أم ولد اسمها ظلوم وختم الخلفاء في أمور عدة فمنها‏:‏ أنه آخر خليفة له شعر يدون وآخر خليفة خطب كثيرًا على منبر وإن كان غيره قد خطب نادرًا لا اعتبار به وكان آخر خليفة جالس الجلساء ووصل إليه الندماء وآخر خليفة كانت له نفقته وجوائزه وعطاياه وجراياته وخزائنه ومطابخه ومجالسه وخدمه وحجابه وأموره على ترتيب الخلفاء المتقدمين‏.‏